«الممثلون المخرجون» فـي هوليوود.. التخلي عن النجومية لمصلحة السلطة

«الممثلون المخرجون» فـي هوليوود.. التخلي عن النجومية لمصلحة السلطة

عمان - محمود الزواوي -  ظاهرة الجمع بين التمثيل والإخراج قديمة قدم السينما نفسها، وهي تعود في السينما الأميركية إلى عصر السينما الصامتة. فقد أخرج ممثلون مثل تشارلي تشابلين وبستر كيتون ووليام هارت أفلامهم بأنفسهم في فترة العشرينات من القرن الماضي. واستمر هذا التقليد في هوليوود بدون انقطاع منذ ذلك الوقت. ومن أشهر نجوم السينما الذين مارسوا الإخراج على مر السنين أورسون ويلز ولورنس أوليفييه وتشارلز لوتون وكلينت إيستوود وودي ألين وسبايك لي ومارلون براندو وجين كيلي وجاك نيكولسون وسيلفستر ستالون وبول نيومان وجون وين وفرانك سيناترا وروبرت ريدفورد ووارين بيتي وميل جيبسون وكيفين كوستنر وشارلتون هيستون وميل بروكس وسيدني بوتييه وروبرت دينيرو وروب راينر ورون هوارد وهاري بوليفانتي والممثلات آيدا لوبينو وإيلين ماي ولي جرانت وباربرا سترايساند وجودي فوستر وبيني مارشال وديان كيتون.
بل إن كثيرين من مشاهير مخرجي هوليوود الأوائل يرجعون في بداياتهم الفنية إلى التمثيل في عصر السينما الصامتة، مثل ديفيد وارك جريفيث مؤسس السينما الأميركية وسيسيل بي ديميل، امتدادا إلى عدد من مشاهير مخرجي عصر هوليوود الذهبي مثل جورج ستيفنس وفنسنت مينيلي وجون هيوستن وديك باول وأوتو بريمنجر، وعدد من مشاهير مخرجي هوليوود في فترة ما بعد عصرها الذهبي، أي منذ فترة الخمسينيات من القرن الماضي، مثل إيليا كازان ومايك نيكولز وسيدني بولاك. وقد بدأ جميع هؤلاء المخرجين العظماء كممثلين في سني الطفولة، ومنهم من تابعوا ممارسة التمثيل بعد تقدمهم في السن في أفلام من إخراجهم أو من إخراج غيرهم من المخرجين.
إلا أن ظاهرة تحول الممثلين نحو الإخراج السينمائي شهدت تزايدا ملحوظا خلال السنوات الأخيرة. وكان من بين من انضموا إلى هذه القائمة الممثلون شون بين وروبرت دوفال وجوني ديب وتيم روبنز وكيفين بيكون ولورنس فيشبيرن وصوفي كوبولا. فما هو سبب اهتمام الممثلين المتزايد بالإخراج؟ هناك ممثلون كثيرون ممن تكون لديهم رؤية فنية خاصة لفكرة سينمائية يريدون أن يقدموها من منظورهم الخاص لكي تحمل بصمتهم الشخصية. وقد حقق بعض هؤلاء الممثلين نجاحا كبيرا في مجال الإخراج في حين فشل البعض الآخر. ولعل أكبر مثل على تفوق بعض الممثلين كمخرجين أن سبعة من كبار نجوم السينما الأميركية المعاصرين فازوا بجائزة الأوسكار كمخرجين في حين راوغهم الفوز بتلك الجائزة كممثلين، وهم كلينت إيستوود (مرتان) وودي ألين وروبرت ريدفورد ووارين بيتي وكيفين كوستنر وميل جيبسون ورون هوارد.
وبين هؤلاء الفنانين السبعة يحتل وودي ألين وكلينت إيستوود مكانين بارزين بين المخرجين الأميركيين المعاصرين، وذلك بفضل الأفلام العديدة المتميزة التي قاما بإخراجها على مدى أكثر من 35 عاما. كما يحتل المخرجان رون هوارد وروب راينر، وهما ممثلان تلفزيونيان سابقان، مكانة مرموقة بين هؤلاء المخرجين. ومن الممثلين المخرجين الذين قدموا العديد من الأفلام المتميزة سبايك لي ووارين بيتي وروبرت ريدفورد وباربرا سترايساند وتيم روبنز.
وعند استعراض الأفلام التي قدمتها هوليوود خلال العشرين سنة الماضية نجد أن أفلام الممثلين المخرجين هيمنت في بعض السنين على جوائز الأوسكار، وتصدرت قوائم أفضل أفلام العام في الولايات المتحدة، كما تصدرت الأفلام التي حققت أعلى الإيرادات على شباك التذاكر. ومن هذه الأفلام المتميزة فيلم غير المسامح لكلينت إيستوود و يرقص مع الذئاب لكيفين كوستنر و القلب الشجاع لميل جيبسون و أمير المد والجزر لباربرا سترايساند و مشي الرجل الميت لتيم روبنز و هنري الخامس لكينيث براناج و برنامج المسابقات لروبرت ريدفورد.
ويشير بعض النقاد إلى الميزات الكثيرة التي تتوفر لدى الممثلين الذين يتحولون إلى الإخراج السينمائي. من هذه الميزات أن الخبرة السينمائية الطويلة أمام الكاميرا توفر لهم مجالا جيدا لاكتساب الخبرة العملية الملائمة للوقوف وراء الكاميرا. ويقول جو روث المدير السابق لشركة ديزني السينمائية إن لدى بعض الممثلين المخرجين من الخبرة ما يفوق خبرة المخرجين الجدد والكتاب السينمائيين المتخرجين حديثا من الجامعات.
ومن هذه الميزات أيضا أن بعض كبار نجوم السينما مستعدون للتنازل عن معظم أجورهم الضخمة كممثلين وقبول أجور رمزية أو نسبة مئوية من أرباح الأفلام التي يقومون بإخراجها في سبيل إتاحة الفرصة لهم لممارسة الإخراج. كما أنهم يضمنون في كثير من الأحيان جذب أصدقائهم من كبار الممثلين للاشتراك في أفلامهم بأجور رمزية. ومن شأن ذلك أن يوفر على الشركة السينمائية المنتجة مبالغ ضخمة قد تصل إلى عشرين أو ثلاثين مليون دولار من تكاليف إنتاج الفيلم في عصر يشهد تزايدا متواصلا في تكاليف الإنتاج السينمائي، بحيث يزيد معدل تكاليف الفيلم الواحد حاليا في استديوهات هوليوود الرئيسة عن 70 مليون دولار، ويزيد في كثير من الأحيان على 100 مليون دولار بالنسبة لأفلام الحركة والمغامرات وأفلام الخيال العلمي، بل إنه بلغ في حالة فيلم سوبرمان يعود (2006) 260 مليون دولار.
ويقول الفنان كلينت إيستوود إنه حين طلب من استوديو يونيفرسال السينمائي السماح له بإخراج فيلمه الأول إعزف لي الأغنية الضبابية في العام 1971 بعد أن أصبح نجما سينمائيا مرموقا وقام ببطولة أكثر من عشرين فيلما، وافق الاستوديو بعد تردد وبعد أن اشترط عليه القيام بذلك بدون أجر، فما كان من كلينت إيستوود إلا أن أعرب عن استعداده لدفع مبلغ من جيبه لقاء إخراج الفيلم. وقد حقق هذا الفيلم نجاحا فنيا وتجاريا كبيرا، كما أخرج كلينت إيستوود منذ ذلك الوقت 26 فيلما بينها عدد من الأفلام المتميزة التي فازت بعشرات الجوائز السينمائية وجلبت للشركات المنتجة مئات الملايين من الدولارات. وفاز عن فيلمي غير المسامح (1992) و حبيبة المليون دولار (2004) بجائزة الأوسكار لأفضل مخرج، كما فاز الفيلمان بجائزة الأوسكار لأفضل فيلم. وبعد أن أثبت كلينت إيستوود نفسه كمخرج ناجح أصبح واحدا من نخبة من المخرجين الأميركيين الذين تمنحهم استوديوهات الإنتاج السينمائي في هوليوود حرية التحكم الفني الكامل في أفلامهم.
وقد جمع كثيرون من الممثلين المخرجين أيضا بين التأليف والإنتاج السينمائي، ومن أشهر نجوم هوليوود القدامى الذين جمعوا بين التمثيل والإخراج والتأليف والإنتاج السينمائي الفنانان الكوميديان الشهيران تشارلي تشابلين وبستر كيتون. بل إن مواهب الفنان تشارلي تشابلين امتدت أيضا إلى تأليف الموسيقى التصويرية لأفلامه وتلحين أغانيها بعد أن انتقل إلى تقديم الأفلام الناطقة. كما أن تشارلي تشابلين كان يقوم بمونتاج أفلامه. ومن اشهر الفنانين الذين جمعوا بين التمثيل والإخراج والتأليف والإنتاج السينمائي أورسون ويلز ووارين بيتي وودي ألين وسبايك لي وميل بروكس. وقد سجل كل من أورسون ويلز ووارين بيتي رقمين قياسيين بترشيح كل منهما لأربع من جوائز الأوسكار في الفيلم نفسه. وقد حقق الفنان أورسون ويلز ذلك في الفيلم الشهير 'المواطن كين (1941) وفاز بجائزة الأوسكار لأفضل سيناريو بالاشتراك مع الكاتب السينمائي هيرمان مانكيويكز . وحقق الفنان وارين بيتي هذا الإنجاز الفذ مرتين بترشيحه للأوسكار أربع مرات في كل من فيلم يمكن للجنة أن تنتظر (1978) وفيلم حمر (1981)، وفاز في هذا الفيلم بجائزة الأوسكار لأفضل مخرج.